{قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ} أي: يمنعكم من عذابه، {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا} هزيمة، {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} نصرة، {وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا} أي: قريبا ينفعهم، {وَلا نَصِيرًا} أي: ناصرا يمنعهم. {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} أي: المثبطين للناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَالْقَائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} أي: ارجعوا إلينا، ودعوا محمدا، فلا تشهدوا معه الحرب، فإنا نخاف عليكم الهلاك.قال قتادة: هؤلاء ناس من المنافقين، كانوا يثبطون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون لإخوانهم: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحما لالتهمهم، أي: ابتلعهم أبو سفيان وأصحابه، دعوا الرجل فإنه هالك.وقال مقاتل: نزلت في المنافقين، وذلك أن اليهود أرسلت إلى المنافقين، وقالوا: ما الذي يحملكم على قتل أنفسكم بيد أبي سفيان ومن معه، فإنهم إن قدروا عليكم في هذه المرة لم يستبقوا منكم أحدا، وإنا نشفق عليكم، أنتم إخواننا وجيراننا هلموا إلينا، فأقبل عبد الله بن أبي وأصحابه على المؤمنين يعوقونهم ويخوفونهم بأبي سفيان ومن معه، وقالوا: لئن قدروا عليكم لم يستبقوا منكم أحدا ما ترجون من محمد؟ ما عنده خير، ما هو إلا أن يقتلنا هاهنا، انطلقوا بنا إلى إخواننا، يعني اليهود، فلم يزدد المؤمنون بقول المنافقين إلا إيمانا واحتسابا.قوله عز وجل: {وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ} الحرب {إِلا قَلِيلا} رياء وسمعة من غير احتساب، ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيرا. {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة، وقال قتادة: بخلاء عند الغنيمة، وصفهم الله بالبخل والجبن، فقال: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ} في الرؤوس من الخوف والجبن {كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أي: كدوران الذي يغشى عليه من الموت، وذلك أن من قرب من الموت غشيه أسبابه يذهب عقله ويشخص بصره، فلا يطرف، {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ} آذوكم ورموكم في حال الأمن، {بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} ذربة، جمع حديد. يقال للخطيب الفصيح الذرب اللسان: مسلق ومصلق وسلاق وصلاق. قال ابن عباس: سلقوكم أي: عضدوكم وتناولوكم بالنقص والغيبة. وقال قتادة: بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة، يقولون أعطونا فإنا قد شهدنا معكم القتال، فلستم أحق بالغنيمة منا فهم عند الغنيمة أشح قوم وعند البأس أجبن قوم، {أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} أي: عند الغنيمة يشاحون المؤمنين، {أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} قال مقاتل: أبطل الله جهادهم، {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}.